احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

تراب الضيم

قصة أم فقدت ابنتها وأخيها في حادثة سيول جدة

على تراب الزمن ..وعلى محيط الموت..لا شيء سيبقى ..كل حلم يغرق تحت ظلم خافٍ..

أخذت الدموع تأخذ طريقها المتعرج على خدي..مثل قطرات المطر فوق بحر هائج

كل مرة..أُصاب بموجة من العواطف الضائعة ..تقذفني ..تجلدني..تبحث عن عيني الدامعة لتثيرها فتبلل وجنتاي

كانت ابنتي الوحيدة ..الحياة بالنسبة لها كالأحلام المنمقة

مجرد الدخول إلى عالمها يُشعرك أنك تمشي فوق ينابيع جارية متدفقة بحب الحياة

كانت في الثامنة عشر من عمرها ..تدرس في المرحلة الثانوية..توفي أبوها جرّاء مرض عضال قبل سنتين..

قمت بتربيتها ..لم أتزوج ..آثرت أن أكرِّس لها حياتي لأوفر لها أفضل ما أستطيع..دائما كانت لها منزلة خاصة في قلوب أقرباءها وصديقاتها

كنت فخورة بها ..فبقدر ما كانت مستمتعة بحياتها ..بقدر ما كانت متفانية في تمسكها بتعاليم دينها ..مجتهدة في دروسها

في ذلك اليوم المحتوم ..استيقظت ابنتي مبكرة كعادتها ..وبعد أن أدت صلاتها وتناولت إفطارها معي ..اتجهت نحوي وضمتني …

شعرت أن هذه المرة تبدو مختلفة عن المرات السابقة..أكثر قوة ً..وأعمق دفئا ً..وأطول زمناً

كان يوم قبل العيد تماماً..وكان خالها قد طلب مني أن يقلها بسيارته بعد أن طلبت منه ابنته أن تصاحبها ابنتي ليشتروا بقية لوازم العيد ..

استودعتني حبيبتي ووقفت أمام باب المنزل أطمئن عليها حتى اجتازوا الطريق بعيداً

رجعت أرتشف كوباً من الشاي وصوت المذياع يدوي في غرفتي بالتكبيرات والتهليلات ليوم عرفة

أخذت حيينها أخطط كيف أبدأعملي اليومي

لحظات وكانت السماء كما يبدو لي من صوت الرعود تكفهِّر ..تكتكات على النوافذ وأسطح المكيفات ..عرفت أن مطراً سيبشر بخيره لأهالي مدينتي الطيبين

امتد المطر ساعات ..فيما قلبي يلهج بشكر الله وبعض ٌمن قلقٍ أخذ يحيطني لا أعلم كنهه

دقائق واصبحت السيول تـُغرق حيـّنا المتواضع….سمعت هرولات وضجيج على غير عادة أهل الحي..الذين طالما تميزوا بالهدوء والرتابة لسنين خلت..

دبّ الخوف قلبي ..هرعت إلى النافذة استعلم الأمر

لمحت سيولاً تجري سريعة تأخذ كل ما صادفها من اشياء واشخاص الى أماكن مجهولة

رأيت المياه تبتلع ارضية منزلي ..تضرعت إلى الخالق وأنا اقذف على جسدي عباءتي واعدو خارجا ًاتسلق سلالم البيت إلى السطح

جاء بعض الرجال وطالبوا الناس بالصعود إلى سطوح منازلهم

انقطعت الكهرباء .رأيت سيولاً تنهب معها الجدران والأمتعة ..والبشر ..فلا تترك بيتاً إلا وحلـّت ضيفا عليه ..رأيت الجسور تتهادى ..والأنفاق تمتليء بالوحل

كنت والعالم من حولي يقف مفجوعاً ..حتى القطط خِلتها تنتفض خوفاً ورعباً تنتظر بصيصاً من أمل ..

صمتٌ يتحول إلى ولولة وصراخ ..سمعت قلوباً تهتف وجلة ًتطلب الرحمة واللطف..المكان أضحى وكأنه أرض مسطحة جرداء

اخذت أنفاسي تنفجر في نوبةٍ من الغضب واليأس

أُفكر بابنتي وأهلي وعشيرتي

أنتظر أملاً من هاتف أو جوال ..نسيت الجوال ..أخذت أسأل من حولي ..لأطمئن على ابنتي

لم يكن هناك أي أمل في رنين جوال ابنتي أو أخي..خوف هجم عقلي وقلبي

انتظرت ..انتظرت كثيراً ..وقعت أرضاً..أُغميَّ علي.

والآن ..وبعد انتهاء أيام العزاء ..وبالرغم إنني واجهت واحدة من أفظع المآسي ..

وبالرغم انني فقدت واحتي (ابنتي) وظلي (أخي)..وبالرغم انني مؤمنة بقضاء الله وقدره

إلا أنني أحس أن ملايين من الغموض تحيط العقول

وأن بعض الأسرار لم تظهر..وبعض الحقائق لم تـُقال..وبعض المشاعر لم يُشعر بها

وسيظل غطاء الضيم ينتشر في القلوب والأمكنة

إلى أن يلوح في الأفق وجه الحق والعدل ..ليعاقب ذلك الضيم أشد العقاب

ومن ثـَمَّ تعود نبضات قلوب ضحايانا البريئة تنعم بهدوء تحت الثرى.

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق