احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

غصن مهاجر

دخل قاعة المحكمة مكبَّلاً بلفائفٍ بيضاء لا يبدو منها سوى وجهاً غارقاً في بقايا أطلال منحدرة منذ خمسين عاماً ..وملامحاً تـُظهر عليها بقية احترام.
أخذ مكانه قـُرب القاضي الذي سأله :افصح عن هويتك؟
قال:أنا الجاني كما يدّعون ..جسدي ميت دماغياً فيما عدا وتر القلب ما زال يُجلي بنبضاته للمدى.
سأله مجدداً: وما هي التـُهمة الملفـّقة نحوك؟
قال: يُطالبونني بالتبرع بأعضاءي ..إلا أنني ما زلتُ أرفض.
كان هناك مدّّاً صامتاً يطلُ من عينيه..سرعان ما تعكـَّر حين ألقى عليه القاضي بنبرة متجهمة : ولم َ؟؟ لمَ ترفض؟ وأنت تعلم أنَّ الفتاوي أحلَّت التبرع بالأعضاء وحثت عليه لإنقاذ حياة البشر المحتاجين إليها ..لم َهذه الأنانية !! ألم تع ِ أنَّ التبرع عمل سام ٍ وفيه أجر عظيم
أخذ نفساً عميقاً ..ومن ثمَّ راح يُحملِـق في وجوهِ الخصوم المتشابهة إلى حدٍ كبير ..باتت الكلمات تخرج من فــِيهِ مؤلمة..أخذ يفتح مسامات الماضي ..ينظر من خلالها إلى هؤلاء الأشباح..راح يقول:
سيدي ..كنت مِمَن أنعم الله عليهِ كثيراً ..وأغدق عليه وافر كَرَمِه ورزقهِ..قابلتُ تلك النعمة بالجميل ..فآليت إلا أن يـُشاركني فيها أقاربي وأصدقاءي وجيراني وممن حولي من المحتاجين..أغدقتُ عليهم شكراً لله تعالى.
توقفَ قليلاً..وكأنما يحملُ البحرَ في قلبهِ..ثم تابع بصوتٍ محفوفٍ بالآهات : قدَري أبى أن تستمر تلك النعمة..فتقهقرت بي المصائب ..لم أفكر باليوم الأسود..كنت أظنهم سيشاركونني بعد الله تعالى الضراء كما شاركتهم السراء حين فتحت لهم أبواب تجارتي وآمنتهم عليها .
ولكن..انتظرتُ مساعدتهم بعد الله .. جرَّعوني كؤوس اليأس ..فتدهورت حالتي ..كما هي الحال في صحتي..ها أنذا أموت ..فأصروا أن يجرّدوني من أعضاءي كما جردوني من ثروتي إثر اكتشافي مؤخراً أنهم وراء خساراتي الفادحة..
فوقعت صريع الحزن والعوز..
سيدي..
إعلم سيدي أني كما لم أبخل عليهم من ثروتي ..لم أبخل عليهم من أعضاءي
وهذا تقرير مني للتبرع بأعضاءي أوصيت به موَكِلي منذ زمن ٍطويل ..منذ كنتُ أتمتع بثروتي..ولكن كان لي شرطي ..أن يكون الممنوح يستأهل التبرع ..فانظر لوصيتي وأطالبك بالعمل عليها..
***

طيور مهاجرة تلوح في الأفق ،يطل الصباح..يدخل القاضي إلى مكتبه وقلق يدفعه للتفكير دون توقف..يعيد قراءة الوصية للمرة العاشرة..تضعه في حيرةٍ أكبر
أخذ يفتـِّش حوله..رأى لائحة ً تـَضُمُّ أقرباء موكله الذين أقاموا دعوى قضائية للحصول على أعضاءه التي سبق أن أوصى بالتبرع بها إذا ما دنا أجَله لمن يستحقها.
(س)ذلك القريب الذي يشكو من رئتين نتنتين ..فتش في مسامات تاريخ حياته .. معظم رزق عياله يـُنفِقه على الدخان ِالأزرق ..تلك الآفة التي تسرق الروح لتهيم بصاحبها في الشوارع كالجرذان القذرة..وضع علامة(لا) أمامه.
(ن) يـُطالب بالقلب ..راجع ملفات قلبه الذي يشكو من المتجلط ..كان يملك قلباً شارونياً طولاً وعرضاً مع أهله واقربائه وجيرانه..شطبه من القائمة.
(ص) يـُعاني من كلىً فاشلة وتضخم في الكبد ..إثر تضخم في رصيد حساباته البنكية توالدت من أكل أموال أيتام وصفقات ربوية كبيرة..محاه من القائمة.
وهكذا لم يبق في القائمة أحدٌ يستحق التبرع بأعضاء موكِله.
لمَحَ ورقة ً صغيرة مندسة في الوصية ..كانت كلماتها تقول:
صديقي القــاضي ..كنتُ متأكداً أنك ستشطـُب أسماءهم..لأني أعرفهم أكثر منك..لذا..
قررتُ أن تذهَب َبأعضاءي إلى أرض الإسراء والمعراج ..فهناك من هو الجدير بكل غصن في حديقة جسدي ..فليقطف منها ما يشاء.

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق