احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

خيال لوحة

خيال لوحــــــــــــــة

أغمض عينيه ينشد راحة تاهت منذ مدة..ولكنه السهد.. تشبث بأجفانه..اعتدل من نومه..أشعل سيجارة..راح يمتص معها انفعالات تزامنت معه حديثاً.

التفت حيث زوجته ذات العود الهزيل وهي تغطُّ في نومٍ عميق وموسيقى مشروخة تنبعث من صدرها الواهن..وعلى مقربة منها ولديه الصغيرين اللذين تقرفصا فوق سجادة مهترئة وبضع هلاليل ممزقة تغطي جسديهما النحيل الذي يكاد يخلو من شحوم تتراكم على أجساد أقرانهم.

وهناك في زاوية قريبة يقبع مصباح يوهج بقليل من نور ودخان يكسو بها ظلام الغرفة الكئيبة..والتي تجاورها شبه غرفة تفوح من ثنايا جدرانها المتكسرة رائحة الدهان والزيوت..تلك الغرفة التي يمارس فيها رزق عيشه..لم تبخل عليه الحياة من عطائها فمنحته موهبة الرسم ..تلك التي تسمو معها روحه وتروي عطشه..

كان يرسم الطبيعة العذراء بغنجها ودلالها..وابتسامات الأطفال البريئة ..ونظرات العجائز الموحية للخلجات الإنسانية..ولكن ..تلك الغرفة كنت تتكدس باللوحات المتفاوتة الاحجام ..يبدو أن ما يأخذه مقابل رسوماته لم تكن تفي ما يقيم أود اسرته..فالطلب عليها نادر.

مرّة قال له صديق: (حاول أن ترسم ما يريده الناس..)علقّ قائلاً: (وما يريده الناس؟) ردّ الصديق:- (بورتريه نسائي..تمثل الجمال بوجوههن..أو بحركة من أجسادهن تبرز مفاتنهن..أو ..) لم يدعه يكمل حين قاطعه: ( مبادئي أنزه من ذلك)…تركه وذهب.

في أحد المساءات الشتوية ….لبس معطفاً بالياً.. ولفح نصف وجهه بلفةِ صوفيةٍ ثقيلةٍ تدفئه في ساعة الغسق..تلك الساعة التي يحب الخروج فيها ليُخفي بؤسه الجسدي والنفسي.

راح يتجول حول المدينة …تعبٌ أجفل قدميه …جلس على مقعدٍ في رصيفٍ كان يمشي عليه…وفيما كان تائهاً في غياهب مخاوفه وهمومه…مرّ فتى ًفي الثالثة عشر من عمره تقريبا ً…رمى بأدواته أمامه…وجلس على كرسيه الصغير الذي يعلوه طبقات من السواد كالمتراكم على وجهه ويديه..

قام بأداء الماهر في صنعته واضعاً قدمي الرجل على قوائم ٍحديدية ..ومن ثم راح ينفض حذاءه بكمي معطفه الممزق وبعدها أخرج دهاناً اسوداً وفرشاة مهترئة ليبدأ عمله..

علامات ضيقٍ تناثرت على وجهه..وسرعان ما اختفت حين لمس بضعة قروش داخل جيب سترته عندما اشتهى سيجارة متغضنة تواجدت من الأمس..لحظات ..رأى الفتى يُخرج ورقة ملفوفة بعناية ..ثم التفت يُمنةً ويُسرة ..كالخائف من عيون متربصة تتوق لإصطياده..

اقترب منه وطلب منه فضّ الورقة هامسا :-انظر إلى هذه اللوحة يا سيدي ..هذه رسمة لأحد الفنانين هناك في ذاك الحي..نقوم ببيعها مقابل عشرون درهماً ..هل تشتريها يا سيدي؟)

نظر الرجل الى اللوحة فإذا هي صورة لإمرأة شبه عارية متقنة الرسم والألوان ..امتعض وهمّ بالوقوف…ولكنه تراجع صامتاً لبرهة..

ومن ثم قال :-وكم تأخذون منه مقابل ذلك؟)قال الفتى:- إذا بعنا عشرة منها نأخذ خمسة دراهم)..تردد في إلقاء سؤال آخر :-وهل يكسب كثيراً ؟) أجاب الفتى وضحكة صفراء تعلو ابتسامته: بالطبع يكسب كثيراً..فهناك العديد من الأشخاص يتهافتون لإقتنائها ويطلبون المزيد..احسبها وسترى !!)

انتهى الفتى من عمله واختفى بعد أن أخذ أجرة عمله..تاركاً وراءه خيالات تجوب أفق جامحة نحو تفكير بدأ يحسب كم سيكسب هو لو رسم عشرة لوحات من ذلك النوع..!!!

استقر التساؤل داخله..فاجأه صوت بوق سيارة كادت تدهسه..أفاقت إغفاءته ..تمتم يقول ..أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

 

 

**

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق